أحياناً نَمُرّ بِبَعض آيات ربّنا جل في علاه مُرور
الكرام ، و قد نحفظها و نحفظ تآويل العلماء لها ، لكن لا نفقهها و لا نعرف معناها
,, بعضها حالات نفسيّة و خلجات شعوريّة لا يقوى على تفسيرها قَلمٌ مهما أَبْدَع ,,
و طريقنا الوحيد لفهمها هو تذوقها بالحِسّ و القلب و الوجدان .
كم مرّة مررنا بقول الله سبحانه : (وأصبح فؤاد أم موسى
فارغاً) .. فمن منا يستطيع تذوّق هذا الموقف ؟ من يستطيع تفسيره ؟؟
إنها حالة شعوريّة في الحس و الوجدان .. تعبّر عن الضّياع .. عن التّيه .. عن الفَقْد
... لكن أيّا من هذه الكلمات لا تبلغ دقّة ذلك الوصف ( الفراغ ) .. إنّه أصدق تعبير و أبلغ تعبير .. بل إنّه
الإعجاز في التعبير
كيف يا ترى يصبح الفؤاد فارغا ؟ و لم ؟؟ و ما شفاؤه ؟؟؟
تعيش حالة الفَقْد .. وتُحس أنّه قد أُسقِط في يدك .. و
أنت على وشك أن تفقد حبيبا إلى القلب عزيزا على النفس .. بل أنت تفقده فعلا و لا
تملك حيلة .. فتكُفّ أنفاسك عن الانبعاث و تضيق عليك الأرض بما رَحُبت و تضيق بك
نفسك .. و تتحسّس قلبك بيمينك عسى أن تضعها على الجرح فتضمّده .. فماذا تجد ؟ ..
فـــــــــراغ
لو كان ألما لسَهُل عليكَ احتماله .. و لاصطبَرتَ نفسك عليه
إلى حين زواله .
لو كان جرحا لسَهُل تضميده .. و لبحثت عن وسيلة لكفّ
نزيفه .
لو أنّه الدّاء - رغم عنائه - لكنّك ستبحث عن الدواء .
و لكنّه الفـــــراغ
و كأنّه خرق كبير في قلبك .. بل في نفسك .. حيث لاشيء
سوى الفراغ .. تتحسّس بيدك .. تبحث عن مصدر الدّاء .. تلوح بها يمْنة و يسْرة ..
تقلّب أصابعك .. تفركها بلطف عسى أن تمسك ملموسا .. شيئا ما تُدينُه .. تنسب إليه
مُصَابك .. تحاسبه و تصبّ عليه أنواع الوصفات أملا في شفائه ... لكن ما هي إلا
أمانيّ .. و ما هو إلا فراغ .
فراغ لا تملك له شفاء لأنّك لا تعرف أصل الدّاء .. بل لا
تقوى على حصاره أو تشخيصه فكيف بوصف الدّواء ؟
إنّه وقع في النفس لا يعرفه إلا من أحسّه .. وقع فقْدِ
الولد على قلب الأمّ .. و ليس بيدها حيلة .. فتخرق نفسها آلاف من تلك الأحاسيس
المتضاربة تجتذبها في كل اتجاه ، تسري الرّعشة
في ذاتها و تمور الأرض من تحت قدميها فتنظر يمينا و شمالا فلا تجد إلا الفراع ..
عزلة قاتلة ، وحدة كئيبة و فراغ يلفّه الفراغ .
كل ذلك و أكثر وصفه ربنا جل و علا في مقطع صغير صغير ،
بلغ أرقى مراتب التعبير .. بلغ مرتبة الإعجاز في التعبير .
( وأصبح فؤاد أمّ موسى فارغا )
أمّا الدّواء فقد وصفه سبحانه - كذلك - في كلمات مانعة جامعة تضرب هي الأخرى مثلا في
الإعجاز .. تعبّر عن حالة الوَجْد بعد الفقْد .. بهدوء النفس و اطمئنانها و زوال
همّها و حُزنها .. فليس يملأ تلك الفجوة الكبيرة في القلب إلا عودة المفقود ,,
فرددناه إلى أمّه كي تقرّ عينها و لا تحزن ,,
ألا إنه الإعجاز .
ألا إنه الإعجاز .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق